إن نظام العدالة الإماراتي لا يقوم على ثلاثية الأمن والقانون والقضاء، بل على رباعية الأمن والقانون والقضاء والمحاماة
كثيرٌ من عامة الناس، بل وحتى القانونيين منهم، لا يعرفون أن المبادئ القضائية التي تسطرها محاكم القانون العليا، هي في معظمها من خلق وتصميم المحامين، إن لم تكن في صياغاتها اللفظية، ففي أفكارها ومعانيها. لكن هذا الدور الذي يقوم به المحامي لا يظهر إلى العلن، بل يظل حبيس المذكرات التي قدمها للمحكمة على مدار دفاعه عن موكله والشيء الذي يغيب عن بالنا جميعاً هو الدور الذي يقوم به المحامي في العملية القضائية. فذاكرتنا الجمعية لا تتسع إلا لصورة القاضي الذي نحسبه أنه الصانع الأوحد لتلك العملية من ألفها إلى يائها.
وفي الورقة الماثلة، إبراز لدور المحامي في العملية القضائية، والذي من خلالها يؤسس للمبدأ القضائي من مدخل البحث عن الحقيقة القضائية، ومدخل تفسير وتأويل النص القانوني ولأن المحامي يساهم بدور فاعل في إرساء المبادئ القضائية، فإن منطق البحث يقتضي تسليط الضوء على الوظيفة القانونية للمحامي ومهنته، قبل ابراز دوره والله الموفق.
من هو المحامي؟
لم يورد قانون تنظيم مهنة المحاماة الاتحادي رقم (23) لسنة 1991، ولائحته التنفيذية، تعريفاً مباشراً لمعنى كلمة(المحامي). لكن المادة (2) من القانون عرفته من خلال مهنته، إذ نصت على أن: [المحامون هم الذين اتخذوا المحاماة مهنة لهم لتقديم المساعدة القضائية والقانونية لمن يطلبها….]. ثم جاءت مواد القانون لتنظم شؤون المحامي، من حيث شروط قيده في جدول المحامين وبيان الأعمال التي يحظر عليه الجمع بينها وبين مهنة المحاماة، وكذلك بيان مهام المحامي كتوقيع صحف الدعاوى والطعون والمذكرات واستلام الأوراق وإعلانها وحضور الجلسات والترافع وتمثيل موكليه…. الخ
كما بيَّن القانون حقوق المحامي وخصوصاً حقه في عدم مؤاخذته عما يورده في مرافعاته الشفوية أو في مذكراته المكتوبة مما يستلزمه حق الدفاع، وحقه في قبول التوكيل أو عدم قبوله، وحقه في عدم التحقيق معه أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة وحقه في الاطلاع على أوراق الدعوى الموكل فيها والحصول على صور منها، وحقه في عدم جواز الحجر على مكتبه وكافة محتوياته المستخدمة في مزاولة المهنة، وحقه في تقاضي أتعابه…الخ. كما بيَّن القانون واجبات المحامي، ومن أبرزها: التقييد بمبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة في سلوكه المهني والشخصي، وعدم الاشتغال بأي عمل لا يتفق وكرامة المهنة، وعدم الإعلان عن نفسه بشكل لا يتفق وكرامة وتقاليد مهنة المحاماة، وعدم إفشاء الأسرار التي أؤتمن عليها أو عرفها عن طريق مهنته…. الخ
كما أوجد القانون تنظيماً قضائياً خاصاً لمحاكمة المحامي تأديبياً إذا وقع منه ما يوجب مساءلته وخلاصة القول، أن قانون تنظيم مهنة المحاماة أعطى للمحامي وضعية قانونية خاصة بأن أدخله في أطر قانونية متصلة بعضها بالبعض، فهناك إطار القيد في جداول المحامين، وإطار لجنة قبول المحامين، وإطار الحقوق والواجبات، وإطار التأديب والمساءلة وأرى أن هذه الأطر كافية لحماية المحامي كشخص يمارس مهنة المحاماة، لكن على المحامين الدفاع عن هذه الأطر عند تعرضها لأي انتهاك أو انتقاص. وهذا ما عجزنا عنه حتى الآن. ولقد أوضحت عن هذا في أكثر من مقالة ما هي مهنة المحاماة؟
عرَّفت المادة (1) من قانون تنظيم مهنة المحاماة، بأنها [المحاماة مهنة حرة تؤدي خدمة عامة ينظمها هذا القانون، وتشارك السلطة القضائية في تحقيق رسالة العدالة وتأكيد سيادة القانون وكفالة حق الدفاع عن الحقوق والحريات]. ومن خلال هذه المادة ومواد أخرى في ذات القانون يمكن إبراز الملامح الرئيسة لمهنة المحاماة، فهي المحاماة مهنة حرة
أي أنها لا ترتبط إدارياً أو وظيفياً بالنظام الإداري أو الوظيفي الذي يخضع له القضاة أو أعوانهم، وحرة لأنه لا يجبر أحد الدخول فيها، والخروج منها رغماً عن إرادته، وحرة لأن ممتهنها (المحامي) لا يُجبر أن يؤدي رسالته على نحو معين خاصةً في مرافعاته ومذكراته وطلباته، بالقدر الذي يستلزمه حق الدفاع.
رغم أن مهنة المحاماة نشاط مدني خاص يقوم به المحامي لصالح أفراد وأشخاص خواص نظير أتعاب مقدرة قانوناً أو محددة اتفاقاً، وذلك بالنيابة عنهم وتمثيلهم في نزاعاتهم مع خصومهم أمام المحاكم إلا أن القانون اعتبر أن العمل الذي تضطلع به مهنة المحاماة (خدمة عامة) مثل باقي الخدمات العامة التي تقدمها الدولة للسكان كخدمة الصحة والتعليم والطرق والمواصلات.
ولارتباط مهنة المحاماة بالقضاء ولاتصالها بالتقاضي والدفاع عن الحقوق، فإنها تعتبر خدمة عامة ومؤدى أن تكون مهنة المحاماة في مصاف (الخدمة العامة)، أن تتمتع المهنة بكافة الحصانات والمزايا التي تكون للخدمة العامة.
حسمت المادة الأولى من قانون تنظيم مهنة المحاماة في مسألة طبيعة مهنة المحاماة. فبعد أن قررت أنها مهنة حرة، وتؤدي خدمة عامة، بيَّنت بشكل واضح أنها تشارك السلطة القضائية في تحقيق الأمور التالية:
وهذه الأمور الثلاثة هي من صميم عمل ووظيفة القضاء، مما يقتضي حمل المشاركة التي نص عليها القانون على أن مهنة المحاماة في مصاف الوظيفة القضائية، وما يستتبع ذلك من ضرورة معاملة المهنة وممارسيها معاملة ندية للقضاء والقضاة على الأقل في الضمانات والحصانات والمنزلة الاجتماعية.
مما يؤسفني ويؤلمني أن أرى صورة المحامي ومهنته عند غالبية أبناء وطني مقلوبة. فالمحامي ليس هو ذلك الشخص الذي درس القانون وامتهن المحامي حتى يثبت حق صاحب الحق ويدفع باطل المعتدي. بل هو إنسان مخادع يقلب الحقائق وليس له من هم سوى جمع المال، ويغيب عن بالهم أن المحامي هو الذي يقطع رحلة البحث عن الحقيقة وإبرازها وإظهارها للقاضي، وفي رحلته هذه يتعرض للمصاعب ما يتعرض له
يؤسفني أن أرى بعض الأعمال الدرامية وخاصةً المسلسلات والأفلام تسيء إلى المحامي وتظهره بصورة غير لائقة.
يؤسفني أن أرى من بعض المحامين (وهم قلة) تصرفات لا تمت إلى قيم وآداب وتقاليد المحاماة بأية صلة.
يؤسفني أن أرى أن مهنة المحاماة أصبحت لدخلاء عليها تحت مسميات ومبررات مختلفة.
يؤسفني أن أرى المحامي والمهنة لا يلقيان الاحترام والتقدير من بعض أعضاء السلطة القضائية.
ولكن مقابل هذه التأسفات، هناك الجوانب الإيجابية المفرحة
أفرح بتوطين المهنة.
أفرح بوجود محامين مواطنين كبار لهم مكانتهم في دنيا المحاماة محلياً وعالمياً.
أفرح بوجود تنظيم قانوني يجمع المحامين.
أفرح بالزيادة المضطردة لإعداد المحامين المواطنين المشتغلين وغير المشتغلين.
إنني أشعر، أننا كمحامين إماراتيين، مقصِّرين في حق مهنتنا، إذ يمكننا خلق وضعية قانونية أفضل لمهنتنا وذلك عبر وسائل قانونية متاحة، من أبزرها قانون تنظيم مهنة المحاماة.
نظم هذا القانون معظم المسائل الأساسية لمهنة المحاماة. وبالإمكان أن نقدم نحن كمحامين تفسيرات إيجابية لنصوصه وعلى الخصوص تلك التي تناولت بيان أهداف المهنة وكذلك النصوص الناظمة لحقوق وواجبات المحامين.
لكل محام إماراتي مشتغل بالمحاماة مكتب يباشر فيه أعماله. ومن خلال هذا المكتب يمكنه أن يعمل على تحسين وضعية المهنة ليس فقط بتعامله الراقي مع عملائه، ولكن بتقديم وطرح أفكاره ومطالبات إيجابية لتغيير أفضل لوضعية المحامي ومهنته، وذلك باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة لديه وخصوصاً الكتابة الرصينة في مواضيع تخص المحامي ومهنته.
تأتى هذه المشاركة بعدة صور، كالمشاركة في الندوات والمحاضرات المحلية خصوصاًـ والتواصل مع كليات القانون في الدولة، والمشاركة في البرامج واللقاءات الإذاعية والتلفزيونية والمقابلات الصحفية وغيرها…
يأخذ هذا التواصل صوراً وأشكالاً عديدة يطول حصرها. لكن من أبرزها، التواصل مع رئاسة وحكام المجلس الأعلى للاتحاد وأولياء العهود خاصة في المناسبات الوطنية، وكذلك مجلس الوزراء والمجلس الوطني الاتحادي، وزارة العدل، رؤساء المحاكم الاتحادية والمحلية وخصوصاً محاكم القانون العليا، على أن يتم هذا التواصل عبر جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين.
قد يثير هذا العنوان استغراباً لدى البعض، أو استهزاءً لدى البعض الآخر لغرابته، لأنه يقحم علم من علوم الرياضيات في ميدان علم يصنف على أنه من العلوم الإنسانية (علم القضاء)والحقيقة أن العنوان لا يعدو أن يكون استعارة تشبيهية، فعلم الهندسة يبحث في الخطوط والأبعاد والسطوح والزوايا والكميات والمقادير المادية من حيث خواصها وقياسها أو تقويمها، وعلاقة بعضها ببعض، ليخلق المهندس منها أجساماً وأشكالاً هندسية تساهم في رفاه البشر وكذلك علم القضاء، فهو يطبق مجموعة الأفكار والمفاهيم الأساسية التي تتضمن معاني تجسِّد العدل كقيمة إنسانية عليا.
والمحامي هو الذي يهندس تلك الأفكار والمفاهيم ويضعها في مساراتها القانونية والقضائية لينتهي بها إلى الطلب من القضاء تحقيق العدل والنطق بالحقيقة القضائية. وهو في هندسته يبرز دوره وعلاقته بالعملية القضائية والحقيقة القضائية والمبدأ القضائي، على النحو الذي سيرد تالياً دور المحامي في العلمية القضائية ينصرف معنى مصطلح (العملية القضائية) إلى كل نشاط يساهم في الفصل في نزاع معروض على القضاء. وبهذا المعنى، فالعملية القضائية تبدأ من لحظة قيد الدعوى ورفعها أمام القضاء أو الأجهزة المعاونة له كالنيابة العامة أو مكتب إدارة الدعوى.
أما في معناه الضيق أو التقني، فيعني النشاط الذي يقوم به القاضي لغرض الفصل في النزاع المطروح عليه بحكم قضائي بات وملزم. سواء تمثل هذا النشاط في تلقي أو سماع إفادات الشهود أو ندب الخبراء أو المعاينة أو سماع مرافعات الخصوم أو وكلائهم من المحامين، أو تلقي مذكرات الخصوم وأوجه دفاعهم ودفوعهم وإذا كان القاضي هو الشخص الأول من أشخاص العملية القضائية، فإن المحامي هو الشخص الثاني في هذه العملية خاصةً في القضايا غير الجزائية، لما يضيفه المحامي من آراء بما يطرحه من مسائل قانونية تطال وقائع النزاع وأدلته وتكييفه.
هذه الآراء التي يطرحها المحامي في معرض دفاعه عن موكله يتفاعل معها القاضي وهو ينظر النزاع إما إيجاباً حينما يأخذ بها أو سلباً حينما يضعها جانباً. وعند رفضها يجب عليه أن يضمن حكمه سبب عدم الأخذ بها. وهذا ما يعرف في فقه تسبيب الأحكام بـ(القصور في التسبيب) أو (الإخلال بحق الدفاع). وفي الحالتين، فإن المحامي يشارك في العملية القضائية بالمعنى الفني الدقيق.
إن مشاركة المحامي في العملية القضائية يأخذ بُعداً حينما يُصَّعدُ المحامي من نطاق مشاركته عمودياً بأن يرفع نزاعه إلى محكمة الاستئناف معيِّباً الحكم بعيب الخطأ في فهم الواقع، ثم يرفعه تصعيداً ليطعن عليه بطريق النقض لتخطئته في تطبيق القانون وتفسيره ومخالفته.
ليس القاضي هو الشخص الوحيد الذي يبحث عن الحقيقة في النزاع المعروض عليه، فالمحامي هو الآخر يبحث عن الحقيقة في ذات النزاع، ومحامي الخصم الآخر يبحث عن الحقيقة كذلك لكن الحقيقة في النزاع القضائي لها أبعاد ثلاثة: بُعدٌ يراه القاضي وبعدٌ يراه المحامي وبعدٌ يراه محامي الخصم. وكل منهم يراها من زاويته.
فلو أنك طلبت من ثلاثة فنانين رسم تمثال منحوت فإن كل واحد منهم سيرسمه بشكل مختلف عن الآخر في بعض زواياه رغم أن التمثال (الحقيقة) واحد، ومثل هذه الصورة هو مثل المنازعة القضائية، فإن كلاً من المحاميين المتقابلين إنما يمثل جانباً من الحقيقة، ولكن القاضي وحده يمثل الجانبين المتقابلين لهذه الحقيقة.
إن المحامي لا يكون كاذباً أو مخادعاً حينما يلقي الضوء على جانب من جوانب الحقيقة التي تخدم موكله. فهو في إبرازه لهذا الجانب لا يغير الحقيقة لكنه يختار إبراز العناصر التي تكون في مصلحة موكله. هذا الاختيار المقصود لعناصر الحقيقية، يراه من هو غير متخصص في القانون والمحاماة، أنه تغيير من المحامي للحقيقة وكذب وتدليس على القاضي.
إن المحامي وهو في سعيه لإظهار الحقيقة ملزم بأن يكون متحيزاً لموكله في عناصر الحقيقة التي يراها في صالح الموكل، فهذا التحيز هو من أوجه الدفاع عن موكله. وفي كل الأحوال فليس المطلوب من المحامي أن يكون حيادياً كالقاضي لأنه بهذه الحيادية سيحرم القاضي من رؤية زاوية من زوايا الحقيقة التي كان على المحامي إظهارها وإبرازها للمحكمة حتى يتمكن القاضي من النطق بالحقيقة.
المحامون بطبيعة عملهم متعصبون وما ينبغي لهم إلا أن يكونوا كذلك، إذ أن الحقيقة المستهدفة لا يمكن أن تظهر ناصعة إلا إذا استكشف من جانبيها المتقابلين، أن تعصب أحد المحاميين لموكله لا بد وأن يستثير تعصب محامي خصمه، أو أن يغريه ببذل مجهودات جديدة. وهكذا تشتعل الخصومة بين الطرفين ويدعو الفعل إلى ردة الفعل فتسير المبارزة القضائية إلى مداها. وعندما تصل إلى هذا المدى تؤدي دورها في مساعدة القاضي على القيام بدور الحكم والوصول إلى الموازنة الصحيحة التي هي أصل رسالة القاضي.
إن دفاع كل محام يلقي أضواء متباينة على مختلف جوانب القضية على النحو الذي يخدم مصلحته. فالمحامي يركز الأنوار على الجوانب التي تفيد دعواه، على حين يحاول أن يترك النواحي المضادة في ظلام دامس. ومن حسن الحظ أن دفاع أحد الخصمين يكمله دفاع الآخر. وبذلك تصبح وظيفة القاضي الأساسية أن ينظر إلى الدعوى على ضوء ما صوره الخصمان مجتمعين، وبذلك تكتمل الصورة الصحيحة ويستطيع أن يقيم بناء الحقيقة على أساس ما يطمئن إليه من المواد التي وضعها بين يديه الخصمان، فيأخذ من هذا بقدر من ذاك بقدر ولا رقيب عليه في ذلك إلا ضميره. ومن هذا وذاك تظهر الحقيقة القضائية.
ثمة خلط كبير عند عدد من المحامين والقضاة ورجال القانون، بين (المبادئ العامة للقانون) و(المبادئ القضائية). فالمبادئ العامة للقانون أو (مبادئ القانون العامة)، تعني مجموعة القواعد العامة والمجردة وغير المكتوبة التي تهيمن على الأنظمة القانونية في مختلف الدول وبهذا المعنى، فالمبادئ العامة للقانون هي أحكام عقلية ومنطقية كلية تتفرع عنها أحكام فرعية تعين المشرع على الاستهداء بها عند سنه للتشريع.
وهي أقرب ما تكون إلى قواعد القانون الطبيعي. فقاعدة (تنفيذ العقد بحسن نية)، وقاعدة (لا يضار الطاعن بطعنه) وقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، وقاعدة (من حرك ساكناً لزمه) كلها في أصلها مبادئ قانونية عامة، موجودة في كل الأنظمة القانونية مهما كان أسس هذه الأنظمة أو فلسفتها أو توجهاتها الاجتماعية، ذلك أن المبدأ القانوني يتناغم مع قواعد العدل والإنصاف والأصل أن المبادئ العامة للقانون تدخل في طائفة مصادر القانون الاحتياطية أو الثانوية، إلا أن المشرع قد يتبنى المبدأ بنص تشريعي فيدخل في طائفة المصادر الأصلية. وقد يفرع المبدأ إلى أحكام تفصيلية.[1]
أما (المبدأ القضائي)، فهو القاعدة العامة الموضوعية أو الإجرائية التي تقررها محاكم القانون العليا في البلاد عند نظرها الطعن بطريق النقض، وتسير على هديها في الطعون التي تشابهها، وتلتزم بها محاكم الموضوع ويكرسها المحامون
وتفصيل ذلك، أن من بين وظائف محاكم القانون العليا [المحكمة الاتحادية العليا، محكمة تمييز دبي، محكمة تمييز رأس الخيمة، محكمة نقض أبو ظبي] توحيد الفهم للنص القانوني إزاء المسألة القانونية الواحدة. هذا الفهم الموحد هو ما يعرف بـ(المبدأ القضائي).
وهو بمثابة قاعدة قضائية تحظى بالاحترام والتقدير، لأنها تمثل توجه القضاء تجاه تلك المسألة، وهو اجتهاد من المحكمة في أصل النص. فعندما تقول محكمة القانون العليا، أن سريان القوانين وما في حكمها، لا يكون إلا بعد إبلاغها إلى الكافة وحملها إلى علمهم حتى يوافقوا مسلكهم عليها، إذ لا تكليف إلا بمعلوم. فهذا يعني أنه لا يمكن مساءلة الأفراد بمحظورات ونواهي وموجبات القانون ما لم يُنشر ويصل إلى علمهم حقيقةً أو افتراضاً والمبدأ القضائي مصدره القضاء وتحديداً الحكم القضائي الصادر عن محكمة القانون، ومن ثم فهو عمل من أعمال العملية القضائية مما يعني أن قيمته القانونية والإلزامية يكون تبعاً لموقع ودرجة المحكمة التي أصدرت الحكم الذي أسس للمبدأ.
وإذا كان الأصل أن المبدأ القضائي لا يتمتع بقوة إلزامية، إلا أنه يملك قيمة قانونية كبيرة لصدوره من أعلى جهة قضائية مسؤولة عن مراقبة حسن تطبيق القانون وتفسيره وتأويله. لكن المشرع الإماراتي تدخل في حالة واحدة أعطى فيها للمبدأ القضائي قوة قانونية إلزامية، وذلك في المادة (187) مكرر [الفقرة 1 بند ج] من قانون الإجراءات المدنية، حينما جعل من مخالفة حكم النقض لأي من المبادئ القضائية التي قررتها هيئة المحكمة أو دوائرها مجتمعة دون العرض عليها، أو صدر مخالفاً للمبادئ التي استقرت عليها المحكمة، أو صدر مخالفاً للمبادئ التي أصدرتها هيئة توحيد المبادئ بين السلطات القضائية الاتحادية والمحلية، سبباً للرجوع عن حكم النقض.
إن البناء الذي يشيَّده حكم محاكم القانون العليا، ليس هو قضاء رفض الطعن أو نقض الحكم المطعون فيه، وإنما هو المبدأ القضائي الذي يضعه الحكم أو يؤكد عليه. وهذا المبدأ ليس من صنع هؤلاء القضاة وحدهم، وإن كانوا ينفردون بالكشف عنه في ثنايا أحكامهم فخلال مراحل نظر الطعن بالنقض، يساهم المحامي بشكل فعَّال في خلق وصناعة المبدأ القضائي من واقع تعامله مع النص القانوني الذي هو في أساسه حمَّال أوجه في التفسير والتأويل.
وحينما يرفع المحامي طعناً بطريق النقض ينعى فيه على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تفسيره، فإنما يقوم ببيان مفترضات النص ووقائع الدعوى والنقاط القانونية التي تثيرها الوقائع. كما يبين المحامي حدود النص ونطاقه، وما يحمله من معاني ودلالات وإشارات.
إن الدور الذي يقوم به المحامي أمام محكمة القانون، وما قام به أمام محكمة الموضوع، يضع أمام قاضي القانون معالم الخطأ القانوني الذي وقع فيه حكم محكمة الموضوع، ويمهد الطريق للمحكمة لإرساء مبدأ قضائي باعتبار أن دوره أمام محكمة القانون جزء من مشاركته في العملية القضائية كما سبق إيضاحه.
وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين
تمت الورقة
الشارقة 13 سبتمبر 2022
سجل الآن لتصلك أحدث المستجدات القانونية، وآخر الأخبار، والفعاليات القادمة من بن نخيره ومشاركوه.
أبوظبي : منطقة الكرامة, شارع المطار, بناية الشيخة جميلة, مكتب 206
دبي : الخليج التجاري, شارع المستقبل, برج ايريس باي, مكتب 1610
الايميل: [email protected]
الاثنين – الجمعة : 08:00 – 18:00
السبت والاحد : عطلة