نظرات رئيس المحكمة العليا السابق في قانون الضريبة الإماراتي

في غضون الفترة من سبتمبر عام 2016، وحتى سبتمبر 2018، شهدت الإمارات صدور عدة تشريعات اتحادية وقوانين، مراسم بقوانين، قرارات تنظيمية من مجلس الوزراء – قرارات وزارية تشكل جميعها فيما يعرف بـ”التشريعات الضريبية”. وهذه التشريعات جديدة على المجتمع والقضاء الإماراتيين، وجاءت متتالية بشكل متسارع. ففي سبتمبر عام 2016 صدر قانون بإنشاء هيئة اتحادية للضرائب. وفي عام 2017 صدر قانون الإجراءات الضريبية، ثم المرسوم بقانون اتحادي في شأن الضريبة الانتقائية، ثم المرسوم بقانون اتحادي في شأن ضريبة القيمة المضافة. وفي ذات العام صادقت الدولة على الاتفاقية الموحدة للضريبة الانتقائية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، واتفاقية مماثلة لضريبة القيمة المضافة. إضافة إلى عدة قرارات تنظيمية صادرة عن مجلس الوزراء متصلة بهذه القوانين.

ويحتل القانون الاتحادي رقم (7) لسنة 2017 في شأن الإجراءات الضريبية، مكان الصدارة بين التشريعات الضريبية الإماراتية، باعتباره الإطار الإجرائي لكافة الإجراءات المتعلقة بالمسائل الضريبية بما فيها طلبات إعادة النظر في القرارات الصادرة عن الهيئة الاتحادية للضرائب، وكذلك نظر الاعتراضات المقامة ضد قرارات الهيئة بشأن طلبات إعادة النظر أمام لجنة فضِّ المنازعات الضريبية. إضافة إلى بيان إجراءات الطعن على قرارات اللجنة أمام المحاكم.

 

وبطبيعة الحال فإننا في هذه الورقة، لسنا في وارد تقديم شرح مفصَّل لقانون الإجراءات الضريبية ولائحته التنفيذية، وإنما في معرض بيان نظرات فيما تراءى لنا أنه كان يجدر بالمشرع الضريبي الالتفات إليها. و قبل بيان نظراتنا، يحسن التذكير بالآتي:

  1. الضرائب هي مدفوعات يقدمها الشخص للدولة، وليس لها أساس يبررها سوى الخضوع لسلطة الدولة المالية، ودون وجود أي علاقة مباشرة بين الدولة وبين ما يعود على الشخص من الخدمات العامة التي تقوم بها الدولة من خلال نشاطها المالي. هذا بخلاف الرسوم التي تستأديها الدولة مقابل نشاط تبذله يهم المكلف بها بوجه خاص. أمَّا الأتاوة فهي ما يدفعه بعض الأشخاص لاستفادتهم من نشاط إداري معين، فائدة اقتصادية خاصة زيادة على ما يستفيده الآخرون نظراً لوجودهم في مركز معين يتيح لهم هذه الاستفادة.
  2. فرض الضرائب وتنظيمها وطرق جبايتها، من المسائل التي تدخل في النطاق المحفوظ للحكومة الاتحادية تشريعاً وتنفيذاً، عملاً بالمادة (120) من دستور دولة الاتحاد.
  3. يُصَنَّفُ القانون الضريبي على أنه فرع من فروع القانون الإداري، باعتباره ينظم العلاقة بين الدولة كسلطة والأفراد. لكنه يتلاقى مع غيره من فروع القانون الأخرى كالقانون الجزائي، والقانون المدني وقانون الإجراءات المدنية، وقوانين أخرى.

بعد هذه المقدمة، نستعرض نظراتنا في قانون الإجراءات الضريبية و لائحته التنفيذية على النحو التالي:

أولاً: خلا القانون من تحديد درجة المحكمة المختصة

عرَّف القانون “المحكمة المختصة” بقوله: – المحكمة المختصة: المحكمة الاتحادية التي تقع ضمن اختصاصها المقرَّ الرئيسي للهيئة أو أحد فروعها. هذا التعريف جاء مبهماً. فالمحاكم الاتحادية وفقاً لقانون السلطة القضائية الاتحادية تتكون من المحاكم الاتحادية الابتدائية والمحاكم الاتحادية الاستئنافية والمحكمة الاتحادية العليا. فأي محكمة هي المقصودة وفق التعريف؟  فإذا أصدرت لجنة فضِّ المنازعات الضريبية قرارها في الاعتراض ولم يقبل به المعترض وأراد أن يطعن عليه فلأي محكمة اتحادية يلجأ؟ أهي الابتدائية أم الاستئنافية أم العليا؟ القانون لا يحدد هذه المسألة تحديداً واضحاً؟

وفي إطار ذات التعريف فالبيِّن منه، أن المحكمة المختصة هي المحكمة الاتحادية التي تقع ضمن اختصاصها المقرَّ الرئيسي للهيئة أو أحد فروعها. وبحسب قانون إنشاء الهيئة فإن المقرَّ الرئيسي يكون في مدينة أبو ظبي، وللهيئة أن تنشئ لها مكاتب داخل الدولة، كأن يكون لها مكتب في مدينة دبي أو مدينة الشارقة، أو مدينة رأس الخيمة.

ويظهر عجز هذا التعريف عن أن يكون جامعاً مانعاً، فيما عرَّفه، عندما يكون فرع الهيئة في إمارة دبي. فهذه الإمارة لا يوجد فيها [محكمة اتحادية]، فإلى أية محكمة اتحادية ينعقد اختصاص نظر المنازعة الضريبية التي يكون منشأها في دبي؟  ويصدق ذات الحال على إمارة رأس الخيمة، فيما لا تثور هذه المشكلة في مدينة أبو ظبي لوجود محاكم اتحادية قائمة فيها [محكمة أبو ظبي الاتحادية الابتدائية- محكمة أبو ظبي الاتحادية الاستئنافية، المحكمة الاتحادية العليا]. والحل الأمثل لحلِّ مشكلة الاختصاص في إمارتي دبي ورأس الخيمة، هو أن يحال نظر الطعن في قرار اللجنة الضريبية إلى أقرب محكمة اتحادية لدبي ورأس الخيمة، وهي المحكمة الاتحادي في الشارقة، إذا كان للهيئة فرع في الشارقة، أو أن يحال إلى محكمة أبو ظبي الاتحادية باعتبارها محكمة العاصمة الاتحادية.

ثانياً: خلا القانون من بيان نوع الطعن على قرار اللجنة

نصت المادة (33) من قانون الإجراءات الضريبية على أن:

]دون الإخلال بأحكام المادة (32) من هذا القانون، للهيئة وللشخص الطعن على قرار اللجنة أمام المحكمة المختصة.[

ووفق التشريع الإجرائي الإماراتي، فإن الطعن في القرارات والأحكام القضائية تكون على أربعة أنواع هي: المعارضة [في الأحكام الجزائية الغيابية]، الاستئناف، إعادة النظر، والنقض. ولكل نوع آجاله وأشكاله، وحالاته وقواعده المفصَّلة في قانوني الإجراءات المدنية والإجراءات الجزائية الاتحاديين. فيما أن قانون الإجراءات الضريبية، وإن قرَّر الطعن على قرارات اللجنة، إلا أنه لم يبين نوع هذا الطعن إن كان إستئنافاً أم معارضة، أم التماساً، أم نقضاً؟ فإن كان استئنافاً [على سبيل المثال]، فما هي القواعد القانونية التي تضبط وتحكم هذا النوع من الاستئناف في المنازعات الضريبية.

كان من الأفضل لو أن المشرع الضريبي بيَّن نوع هذا الطعن، كما فعل المشرع في قانون تنظيم مهنة المحاماة حينما اعتبر الطعن على قرارات مجلس التأديب بمثابة استئناف يرفع إلى الدائرة الجزائية بالمحكمة الاتحادية العليا، يسري عليه ما يسري على الاستئناف الجزائي من أحكام، إلا ما نص عليه قانون المحاماة من أحكام خاصة.

وحسب رأيي، فإن لجنة فضِّ المنازعات الضريبية هي لجنة إدارية تفصل في قرار إداري صادر عن جهة إدارية [الهيئة الاتحادية للضرائب]. ومن ثم فإن ما يصدر عن هذه اللجنة يُعَدُّ بمثابة عمل إداري يخضع لرقابة القضاء عبر الدعوى الإدارية التي ترفع ابتداءً أمام المحكمة الاتحادية الابتدائية المختصة، وأن ما يصدر عن هذه المحكمة قابل للاستئناف ومن ثم النقض. أمَّا كلمة ” الطعن” الواردة في القانون، فلا تعني سوى عرض على المحكمة الابتدائية.

ثالثاً: خلا القانون من نص يسمح بالإحالة

من فنون ودقة الصياغة التشريعية، خلق نوع من العلاقة التكاملية بين القوانين والتشريعات المتماثلة والمتقاربة في المواضيع التي تنظمها، بحيث يمكن استعارة شيء من نصوص قانون لتكمله نقص أو سد فراغ في قانون آخر، وهو ما يعرف بالإحالة وقد بيَّنت محكمتنا العليا ضوابط هذه الإحالة في عدة أحكام، لا مجال لسردها في هذه النظرات.

ومن باب تطبيق المثل القائل [ضرب المثال يغني عن طول المقال]، نورد بعض النصوص القانونية التي نصت على الإحالة:

  • المادة (4) من قانون الأحوال الشخصية

تطبق فيما لم يرد بشأن إجراءاته نص في هذا القانون، أحكام قانون الإجراءات المدنية، وقانون الإثبات في المعاملات المدنية و التجارية.

  • المادة (1/ فقرة5) من قانون الإجراءات الجزائية.

وتسري أحكام قانون الإجراءات أمام المحاكم المدنية على ما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون.

  • المادة (4) من قانون التعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية.

تطبق فيما لم يرد به نص في هذا القانون الاحكام الواردة بقانون الإجراءات الجزائية، وأية قوانين ذات صلة.

  • المادة (67) من قانون تنظيم وحماية الملكية الصناعية.

يجوز الطعن في قرارات اللجمة أمام المحكمة المختصة وفقاً لقانون الإجراءات المدنية…. والأمثلة أكثر من أن تحصى.

إن خلو قانون الإجراءات الضريبية من نص يسمح بالإحالة، يشكل تحدٍّ للجنة فض المنازعات الضريبية فيما لو احتاجت إلى اتخاذ إجراء لم ينص عليه القانون المذكور، إذ لا يمكن للجنة أن تلجأ إلى قانون الإجراءات المدنية أو الجزائية أو غيرهما من القوانين الاتحادية وتستعين بأحكامها لسَدِّ نقص أو إكمال فراغ لعدم النص في القانون على إباحة هذا اللجوء. ويصدق ذات التحدي على المحكمة التي تنظر المنازعات الضريبية.

هذه نظراتي ومبلغ علمي بها.

وفوق كل ذي علمٍ عليم.

Dr. Abdul Wahhab Abdool

الدكتور عبدالوهاب عبدول

الشريك الإداري

النشرة البريدية

سجل الآن لتصلك أحدث المستجدات القانونية، وآخر الأخبار، والفعاليات القادمة من بن نخيره ومشاركوه.

x

تواصل معنا

أبوظبي : منطقة الكرامة, شارع المطار, بناية الشيخة جميلة, مكتب 206

+971 2 633 9933

دبي : الخليج التجاري, شارع المستقبل, برج ايريس باي, مكتب 1610

+971 4 332 3231

الايميل: [email protected]

الاثنين – الجمعة : 08:00 – 18:00

السبت والاحد : عطلة

x