في 3 مايو 2018، أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2018 بشأن التحكيم (“قانون التحكيم الإماراتي”). اعتمد التشريع الاتحادي معظم أحكامه من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي. أحد الأحكام الجديدة المدمجة في قانون التحكيم الإماراتي من قانون الأونسيترال النموذجي هو المادة 25.
تتوافق المادة 25 (“التنازل عن الحق في الاعتراض”) من قانون التحكيم الإماراتي مع المادة 4 من قانون الأونسيترال النموذجي، وتنص على ما يلي:
“إذا استمر أحد الأطراف في إجراءات التحكيم وهو يعلم أن أي شرط بموجب اتفاق التحكيم أو أي من أحكام هذا القانون التي يجوز الاتفاق على خلافها لم يتم الالتزام به، حيث لم يقدم اعتراضًا على هذا الانتهاك في المهلة المتفق عليها أو خلال سبعة (7) أيام من تاريخ علمه بعدم الاتفاق، يعتبر متنازلاً عن حقه في الاعتراض.”
وفقًا لهذا الحكم، إذا استمر أحد الأطراف في التحكيم دون تقديم اعتراضاته في الوقت المتفق عليه بين الأطراف أو خلال سبعة (7) أيام من تاريخ علمه بعدم امتثال الطرف الآخر، يشكل ذلك تنازلاً عن حق الاعتراض. لا يجوز للطرف رفع دعوى ضد الطرف الآخر في مرحلة لاحقة.
عدم تقديم الطرف اعتراضاته في الموعد المحدد دليل على موافقة الطرف على تصرفات الطرف الآخر. تفسير عدم اعتراض الطرف في الوقت المناسب هو تنازل ضمني، حيث كان الطرف على علم بالمخالفة ولم يقدم اعتراضًا. لقبول الاعتراض، يُرفع إلى هيئة التحكيم خلال الفترة الزمنية المطلوبة أو خلال سبعة (7) أيام من علم الطرف بعدم الامتثال.
الهدف الأساسي من المادة 25 من قانون التحكيم الإماراتي هو دعم الحل السريع للنزاع عن طريق تقييد الطرف الآخر من تقديم اعتراضات على المخالفات الإجرائية التي تحدث أثناء إجراءات التحكيم بعد فترة زمنية معينة. تساعد هذه المادة على الحد من أي تكتيكات تأخير من الطرف الآخر ودعم الإدارة الفعالة لإجراءات التحكيم.
ومن المبادئ الأخرى التي تُطبّق بموجب المادة 25 هو شرط حسن النية من الأطراف في إجراءات التحكيم. لا يتطلب مبدأ حسن النية بموجب القانون الإماراتي من أطراف العقد تنفيذ الشروط بحسن نية فحسب، بل يتطلب أيضًا من الأطراف في التحكيم بإدارة الإجراءات بحسن نية. إذا علم الطرف بعدم امتثال الطرف الآخر، فإن فإنه مُلزم برفع هذه المسألة إلى هيئة التحكيم.
ونص صراحة على المبادئ التي تقوم عليها المادة 25 من قانون التحكيم الإماراتي في معظم التشريعات وقواعد التحكيم. على سبيل المثال، انظر الأحكام التالية:
كما أكدت المحاكم هذه القاعدة في الأحكام القضائية. على سبيل المثال، حكمت محكمة استئناف القاهرة بأن “عدم اعتراض المدعي عليه على تمديد مهلة التحكيم أثناء نظره وحتى تاريخ تحديد موعد للحكم في مسألة تُعتبر تنازلاً عن حقه في الطعن على تمديد مهلة التحكيم“. (3)
كما أقرّ النظام القضائي الفرنسي هذه القاعدة، على وإن لم يُنصّ عليها صراحةً في قانون التحكيم الفرنسي. على سبيل المثال، حكمت محكمة التمييز الفرنسية بأن “سداد رسوم التحكيم أثناء مداولة المحكمين يدل على إرادة واضحة لا لبس فيها لمواصلة إجراءات التحكيم وقبول تمديد المهلة. إذا تنازل الخصم عن حقه في الاعتراض على الإجراء المخالف، وهو انتهاء مهلة التحكيم، فلا يجوز له الاعتراض أمام قاضي البطلان على صدور الحكم بعد المهلة المحددة“. (4)
في قرار آخر لمحكمة التمييز الفرنسية، حكمت المحكمة بأنه “لا يقبل من الخصم الذي لم ينازع في اختصاص هيئة التحكيم أمامها أن يطالب بعد ذلك ببطلان حكم هيئة التحكيم بدعوى أن هيئة التحكيم فصلت في مسألة ليست من اختصاصها“. (5) كما حكمت محكمة استئناف باريس بأنه “[نظراً لدور المحكمين المنصوص عليه في اتفاق التحكيم، استند المدعي على انتهاك المدعى عليه بشرط الاستخدام الحصري المتفق عليه وطالب بالتعويض. وبما أنه لم ينازع في اختصاص هيئة التحكيم في تحديد صحة شرط الاستخدام الحصري، فلا يجوز له أن يطالب أمام محكمة البطلان بأن هيئة التحكيم تجاوزت حدود المهمة المكلفة بها“. (6)
علاوة على ذلك، فإن أي عدم امتثال للمسائل المتعلقة بالنظام العام وعدم قيام أحد الأطراف برفع اعتراض يقعان خارج نطاق المادة 25 من قانون التحكيم الإماراتي. تشمل هذه المسائل، على سبيل المثال، الأهلية القانونية للمدعي أو المدعى عليه، ومخالفة القواعد المتعلقة باحترام حقوق الدفاع والمساواة بين الأطراف، ومخالفة تشكيل هيئة التحكيم، أو إذا كان موضوع النزاع غير خاضع للتحكيم. إذا كان عدم امتثال أحد الأطراف يتعلق بمخالفة للنظام العام، فلن يُطلب من الطرف رفع الاعتراض خلال الفترة الزمنية المحددة. لا يتنازل الطرف عن قدرته على الاعتراض. يمكن إثارة هذه الانتهاك إذا لم يُقدم اعتراض أثناء إجراءات التحكيم، مما يتيح لهيئة التحكيم الفرصة للفصل في المسألة (اطلع على المادة 53 (2) من قانون التحكيم الإماراتي). بالإضافة إلى ذلك، نص المشرع الإماراتي في المادتين 19 و 20 من قانون التحكيم الإماراتي على ضرورة التمسك بالدفوع المتعلقة باتفاق التحكيم، أو إبطالها، أو عدم إدراجها في موضوع النزاع خلال فترة لا تتجاوز وقت تقديم دفاع المدعى عليه أو خلال الجلسة التالية التي يُجرى فيها الطعن. إذا لم يُرفع الاعتراض أمام هيئة التحكيم خلال هذه الفترة، يتم التنازل عن الحق في تقديم الاعتراض. ومع ذلك، يجوز لهيئة التحكيم قبول مذكرة الرد المتأخرة إذا رأت أن التأخير كان لسبب مقبول.
في رأينا، تتطلب المادة 25 من قانون التحكيم الإماراتي من الطرف الذي يرفع الاعتراض القيام بذلك أمام هيئة التحكيم خلال الفترة الزمنية المحددة. يتوافق هذا مع معظم قواعد التحكيم السائدة والمعايير الدولية، حيث يهدف إلى تسريع تسوية المنازعات ومنع سوء نية أحد الأطراف في الاعتراض على حكم هيئة التحكيم على الرغم من علمه بأن الاسـتئناف لن يُقبل. كمبدأ لحماية الحق في حل النزاع على وجه السرعة، إذا تجاوز أحد الأطراف المواعيد النهائية التي حددها المشرع، يسقط الحق في الدفاع تلقائيًا.
المراجع:
1- قانون التحكيم الإماراتي لسنة 2018.
2- قانون التحكيم الإنجليزي لسنة 1996.
3- محكمة استئناف بالقاهرة، الدائرة 91، تجاري – القضية رقم 29 لسنة 122 – 25/9/2009.
4- محكمة التمييز الفرنسية، القضية رقم 2/2004 بتاريخ 6 يوليو 2006، مذكرة إريك يوكين، ص 310.
5- محكمة التمييز الفرنسية، القضية رقم 3/2004، 3 يونيو 2004.
6- محكمة الاستئناف بباريس، شركة إس إيه إكسوديس ضد شركة ريكو فرنسا، 3 يونيو 2004.
سجل الآن لتصلك أحدث المستجدات القانونية، وآخر الأخبار، والفعاليات القادمة من بن نخيره ومشاركوه.
أبوظبي : منطقة الكرامة, شارع المطار, بناية الشيخة جميلة, مكتب 206
دبي : الخليج التجاري, شارع المستقبل, برج ايريس باي, مكتب 1610
الايميل: [email protected]
الاثنين – الجمعة : 08:00 – 18:00
السبت والاحد : عطلة