إذا كان القاضي ملزماً بتطبيق القاعدة القانونية على الواقعة المعروضة عليه متى اكتملت مفترضاتها في شقها التكليفي، وثبت وقوع الفعل المجرَّم في محاكمة عادلة توافرت فيها كل الضمانات القانونية، وتضافرت وتساندت الأدلة على وقوعها، فإن على القاضي (المحكمة) تطبيق شق الجزاء من القاعدة، دون النظر إلى ما قد يحيط بالمتهم المحكوم عليه من أوضاع أو ظروف شخصية خاصة به لا تسعها آليات الاعذار المحلة أو المخففة من العقاب التي نص عليها المشرع، أو حتى آلية وقف تنفيذ العقوبة
لأن منظومة العدالة الجزائية المتمثلة في القوانين العقابية الموضوعية والإجرائية، وأجهزة البحث والتحري والادعاء والمحاكم وغيرها من الأجهزة ذات الصلة بالعدالة الجزائية، لا تسمح للقاضي (المحكمة) من أن يتخذ مبادرات تهدف إلى تحقيق التوازن بين العدل الذي حكم به في إطار النصوص القانونية التي طبقها وأعملها على واقعات النزاع (القضية)، وبين ما توجبه (الرحمة). إذ ليس ثمة تلازم دائم وحتمي بين “العدل” سيما العدل الوظيفي (العدل القانوني)، وبين “الرحمة” كقيمة إنسانية سامية
لكن “الرحمة” ليست محل تنظيم قانوني يحدد تعريفها ونطاقها، ويبين حالاتها وموجبات تطبيقها، وحالات امتناعها…. حتى يمكن للقاضي (المحكمة) من تطبيقها والقضاء على هديها. ذلك أن “الرحمة” شعور إنساني يمر على النفس الإنسانية عند مشاهدة النقص أو الحاجة، فيندفع الإنسان إلى رفع ذلك النقص أو سدِّ تلك الحاجة. فمثلاً عندما يشاهد الإنسان يتيماً يرتجف من البرد لنقص ملابسه، أو يرى فقيراً أضناه الجوع لأنه لا يملك ما يسد جوعه، أو يرى مظلوماً يتلوى تحت سياط الظالم لأنه لا نصير ولا ظهير له، عندها تتحرك مشاعر الرحمة عنده، ويبادر إلى تغيير ذلك الواقع الذي يراه، وهذه هي “الرحمة”
ولأن الإنسان –أينما كان وحيثما كان وكيفما كان- في حاجة دائمة إلى الرحمة، حتى في العدل، فقد أسس فلاسفة القانون منذ القدم لمبدأ “الرحمة فوق العدل”
وهذا المبدأ لا يدعو ولا يؤسس لمخالفة العدل أو تجاوزه، لكنه يقول بـ”رحمنة العدل”، أي أن يكون العدل رحيماً، وبعبارة أخرى جعل العدل رحيماً “العدل الرحيم”. فالرحمة صفة تلحق بالعدل وتأتي بعده. فإذا قضت المحكمة بالعقوبة المقررة، فهذا هو العدل، فإن تنازل صاحب الحق عن حقه كما في القصاص مثلاً، فهذا التنازل هو الرحمة. لكن صور وحالات الرحمة تتعدد، كأن تهيب المحكمة بولي الأمر العفو عن المتهم لسبب ما، أو أن تدعو أصحاب الحق أن يسقطوا حقهم رحمة ورأفة بالمحكوم عليه
وقد يعمل القاضي “الرحمة”، من تلقاء نفسه، حينما يشعر أن حكمه إذا نُفِّذ فسوف يؤدي إلى موت وهلاك المحكوم عليه أو تدمير صحته الجسدية أو النفسية أو العقلية، في حين أن العقوبة التي نطق بها لا تتعدى الحبس أو السجن لمدة محدودة.
سجل الآن لتصلك أحدث المستجدات القانونية، وآخر الأخبار، والفعاليات القادمة من بن نخيره ومشاركوه.
أبوظبي : منطقة الكرامة, شارع المطار, بناية الشيخة جميلة, مكتب 206
دبي : الخليج التجاري, شارع المستقبل, برج ايريس باي, مكتب 1610
الايميل: [email protected]
الاثنين – الجمعة : 08:00 – 18:00
السبت والاحد : عطلة